الخميس، 20 أغسطس 2015

أسماء.. اسم يتلألأ في سماء الحرية


لم تغب صورتها عن ذاكرتي ولا أنفاسها الاخيرة فتاة بعمر الورد أُسطقت لتطير كالفراشة في جنات نعيم لحق بها 29 طفلا آخرين.

تعجز أناميلي من الكتابة عن العظماء وترتجف كلما حاولت أن أسطر بعض الأحرف لمن كان فضلهم على الامة ظاهر، ولمن ضحى بأغلى ما يملك ليعز دين الله فاعزهم الله.

فراشة -كما تلقب نفسها- لم تكمل ربيعها 17 سُلبت من بين أصدقائها وأحبائها ذهبت ولم تترك لنا سوى ذكريات ملائكية في وجدان من حظي برفقتها..

هذه الفراشة اسمها #أسماء ويلي روعة هذا الاسم ويالي جماله، فقد برق نجمها قبل أن تكمل 17 ربيعا من عمرها الوردي، لكن أحلامها كانت تختلف عن أحلام اقرانها.

شهد لها الجميع برقة وطيبة قلبها وحنانها، وأكدوا على فطنتها وذكائها وتفوقها في الدراسة، لها روح زهية واثر جميل في كل مكان وقفت فيه.

بعد أن صمدت هذه الفراشة في ميدان رابعة أكثر من 47 يوم كان لقاؤها الاخير مع والدها -معتقل في سجون العسكر المصري- حيث كان قد حلم بها في المنام فرآها في ثوب أبيض بهي وجميل ووجهها مشرق كالبدر، فقال لها بصمت حينما جلس بجوارها: "هل هذه الليلة موعد،زفافك؟" فاجابته: "في الظهيرة وليس في المساء سيكون الموعد".

لم يدرك هذا الاب الحنون بان جميلته تصدق قولها وحبها وشوقها للزفاف، لكنه زفاف من نوع آخر.. فقالت له معاتبة: "حتى وانت معنا بعيدا عنا؟ فاجابها: يبدوا أن الحياة لا تتسع لنشبع من بعضنا، أسأل الله أن يسعدنا في الجنة لنشبع من بعضنا البعض".

كما كل شهيد يصدق الله فيصدقه الله، وبعد مرور 48 يوما على صمودها ومن معها في ميدان #رابعة_العدوية مطالبين بالحرية والعدالة والكرامة، كان التعب قد أرهق جسدها، فقالت لوالدتها أريد أن اتوضىء، وفي تلك الحظات كان العسكر المصري بدأ بفض هذا الميدان بالرصاص الحي، فقالت الام لابنتها، لا يمكننا الوصول الى المسجد او الى اي مكان آخر فالامر مهول والدماء تتطاير،  فأخرجت فراشتنا زجاجة مياه صغيرة مملوء لمنتصفها، وطلبت أمها بأن تساعدها  لتتطهر وتجهز نفسها لزفافها!!

وبعد أن توضأت وتطهرت، أصرت هذه الطفلة الشقية والفراشة الجميلة بان تذهب الى المستشفى الميداني، والام تصر على رفضها، من خوفها على ابنتها، وفي لحظات لم تعد بجوار أمها.

جندي جبان وقناص سفاح كان يتربص أسماء ويرتقب اللحظة المناسبة ليطلق رصاصة ظالمة حاقدة، فتخترق صدر #أسماء_البلتاجي وتمزق جسدها لتخرج ثانيةً من ظهرها، وفي تلك اللحظة ضاق الفضاء، وغابت شمس الحرية، ومزقت احلمها الوردية.

فراشتنا نزفت من دمائها 3 ساعات بعد محاولات عتية على مساعدتها لكن المستشفى الميداني كان حاله كحال الميدان نفسه، فالعسكر يطلق عليه النيران ويأمر الأطباء باخلاء المكان رغم قلة امكانياته فقد استشهد الكثير من المصابين بسبب القصور الطبي.

امها عرفت انها باصابة طفيفة وتم نقلها داخل المستشفى، فراحت تركض لترى قرة عينها، ممدة طريحة الفراش لا تقوى على شيء، وكما الام الصابرة بدأت تقول لبنتها: "استعيني بالله" وهي ترى ادمغة وجراح واصابات لم ترى مثلها في حياتها فحمدت الله، وصبرت على ما أصابها.

وفي لحظاتها الاخيرة كانت أسماء تُكبر وتهلل والعرق يتصبب منها من شدة الألم واللسان لا يلهج الا بذكر ربها: ياااا رب ياااا رب والصوت يخفت وينتهي لتصدح زغاريد الفرح عاليا للسماء فقد أسشهدت أسماء لتزف كالحور لربها ولفردوسها، وثيابها الزكية برائحة المسك تفوح من كثرة الدماء.

حملها أخوها على كتفه فتارة يمشي وأُخرى يقف من شدة الرصاص المصوب نحوه، عرض جثتها على مستشفيات عديدة لكنهم رفضوا استقبالها، حتى وصل الى مستشفى بعيد ليستقبلها بعد عناء جهيد. 

واستشهدت أسماء لكن رسالتها وصلت والأمانة حاضرة والوصية واضحة تنتظر فارسا يكمل طريقها..

سأتوقف هنا لكن لن يتوقف الدعاء لأمة جريحة، ولن أقف متفرجا مستسلما بصمتي على خيانات عربية، ولن ارضى ان العن الظلام لكنني ساشعل شمعة.
 #RememberRABAA

هناك تعليق واحد: